المطلـــب الثانـــــي :
أركــان وشــــروط عقـــد الـــزواج العرفـــــي
إن عقد الزواج كعقد شرعي له أركان تقومه وتحقق ماهيته وشروط لابد منها لأجل الاعتداد به ، وقبل بياننا لهذه الأركان والشروط وأثر كل منهما على عقد الزواج نوضح الفرق بين الركن والشرط .
فالركن لغة هو الجانب القوي في الشيء ،لقوله الله تعالى:"أو أوى إلى ركن شديد" (1).
و الركن إصطلاحا هو ما يتوقف الشيء على وجوده وكان جزءا من حقيقته ، وقيل ركن الشيء ما يتم به وهو داخل فيه بخلاف شرطه فهو خارج عنه .
و الشرط فهو ما يتوقف عليه الشيء الذي جعل شرطا له ولم يكن جزءا في حقيقته.
ونظرا لما لعقد الزواج من خاصية تميزه عن غيره من العقود ذلك لأن لكل ركن من أركانه شروطا لايمكن دراسة هذه الأركان بمعزل عن الشروط .
والفقهاء المسلمون تطرقوا إلى أركان عقد الزواج وشروطه وتحدثوا عنه كثيرا وسلكوا بشأنهما طرق شتى ، وإذا كان الفقهاء لم يختلفوا في اعتبار الرضا ركن من أركان عقد الزواج ، فقد إختلفوا بشأن حضور الشهود في جلسة إنعقاد الزواج وفي الولي والصداق (2) .
في التشريع الجزائري فإن الأمر 274-59 الصادر بتاريخ 04/02/1959 والمتعلق بعقود الزواج التي يعقدها الجزائريون الذين يخضعون إلى نظام الأحوال الشخصية المحلية في عمالات (الولايات) الجزائر وولايتي الساورة والواحات(ورقلة-بشار حاليا) نص في مادتها الثانية على أن :" الزواج لا ينعقد إلا برضا الزوجين ، ويجب أن يصدر الرضا شخصيا وعلنيا ومن صاحب الشأن شخصيا وبحضور شاهدين بالغين ، وذلك أمام القاضي أو الموثق أو ضابط الحالة المدنية وإلا كان العقد باطلا " .
وهذا يعني أن هذا القانون لم يكن يقيم وزنا للتعبير عن الرضا بالوكالة ، ولم يشر إلى الصداق ولا إلى الولي ، ولم يجعل من أي منهما ركنا ولا شرطا لإنعقاد الزواج أو لصحته ، كما لم يجعل من فقدانهما أو فقدان أحدهما سببا من أسباب الفسخ أو البطلان (1) .
أما قانون الأسرة الحالي وتحت عنوان أركان الزواج نص في المادة التاسعة على أنه: " يتم عقد الزواج برضا الزوجين وبولي وشاهدين و صداق" ،جاعلة من هذه العناصر الأربعة أركانا لقيام عقد الزواج ، ولذا سنتحدث عن كل منهما على حدى ووفقا للترتيب الذي سار عليه قانون الأسرة.
1/رضــــــــا الزوجيــــــــن:
لما كان عقد الزواج عقدا إراديا يقوم على تراضي المتعاقدين، كان الرضا ركنا من أركانه، وهذا الرضا أو التراضي يوجد بوجود إرادتين متوافقتين ومتطابقتين متجهتين إلى إحداث أثر شرعي معين وهو حلّية إستمتاع في الزواج مع تحمل باقي آثار العقد الشرعي ، ومظهر ذلك كله هو الإيجاب و القبول .
وقال البخاري :" لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما ، كما أنه ليس للأب جبر البكر على الزواج بمن أراد إذا إمتنعت " .
وذهب المالكية إلى القول بأن المرأة لو قالت بعد العقد "ما علمت من أن صمتي إذن" بطل العقد لإعتبارهم ذلك عيبا في الرضا.
وقد جاء في المذكرة التوضيحية لمشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية أن " عقد الزواج عقد لابد فيه من الرضا ".
ونصت المادة العاشرة من قانون الأسرة في فقرتها الأولى أن :" الرضا بإيجاب من أحد الطرفين وقبول من الطرف الآخر بكل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا " .
ثم نصت فقرتها الثانية أن :" يصح الإيجاب والقبول من العاجز بكل ما يفيد معنى النكاح لغة أو عرفا كالكتابة والإشارة " .
وهذا ما يتعين معه التطرق لكل من الإيجاب والقبول وإلى صيغة كل منهما وإلى إيجاب و قبول العاجز عن الكلام.
1.1 – الإيجــــاب والقبـول:
فالإيجاب :هو ما صدر من أحد العاقدين أولا دالا على ما يريده من إنشاء العقد ، ويسمى الشخص الذي صدر منه الإيجاب موجبا.
والقبول : هو ما صدر ثانيا من الطرف الآخر دليلا على موافقته على ما أوجبه الأول ويسمى الشخص الذي صدر منه القبول قابلا.
فأول الكلام إيجابا سواء صدر من جانب الزوج أو من جانب الزوجة ، وسمي إيجابا لأنه أوجد الإلتزام ، ويسمى الثاني قبولا لأنه رضا بما في الأول من إلتزام.
والأصل في تحقيق الإيجاب والقبول في عقد الزواج أن يكون بالعبارة وقد يوجد أحدهما أو كلاهما بالإشارة أو الكتابة ، في بعض صوره ولما كان الأصل فيه هو الألفاظ عني الفقهاء ببيان الألفاظ التي ينعقد بها وهو ما يعرف بصيغة عقد الزواج .
2.1 – الصيغـــــــــة:
وقد إتفق الفقهاء على أن العقد ينعقد بكل لفظ مأخوذ من مادتي الزواج والنكاح لأن أكثر النصوص الواردة فيه جاءت بهما ، وأنه لا ينعقد بألفاظ الإباحة والإحلال والإيداع والإعارة والرهن لأنها لا تفيد الأبدية ، والزواج من العقود الأبدية لأنه يفيد ملك المتعة للزوج .
وكذلك لا ينعقد بلفظ الوصية لأنها وإن أفادت التمليك إلا أنه تمليك مضاف إلى ما بعد الموت ، والزواج يفيد التمليك في الحال ، وكذلك لفظ الإيجارة لأنها و إن أفادت ملك المنفعة في الحال إلا أنها ملكية مؤقتة والزواج شرع على الدوام والتأبيد،فصيغة الزواج يجب ألا تكون دالة على التأقيت، وألا يقترن بها ما يدل على هذا التأقيت صراحة ، لأن مقتضى عقد الزواج حل العشرة ودوامها .
وذهب الإمام أبوزهرة إلى القول :" ولا ينعقد عقد الزواج إلا بالألفاظ الدالة عليه سواء كانت لغوية في دلالتها عليه أم كانت مجازا مشهورا وصل إلى درجة الحقيقة اللغوية أم كانت مجازا وضعت فيه القرينة وإستبان المعنى حتى صار الكلام صريحا في إرادة الزواج " (1) و المادة العاشرة من قانون الأسرة أكدت ذلك بحيث جعلته بكل لفظ يفيد النكاح شرعا.
وبما أن الزواج مشروط فيه الشهادة فلابد أن يكون اللفظ الذي يعقد به صريحا، حتى يعرف الشهود ما شهدوا عليه ، فالحنفية صححوا إستعمال الألفاظ غير الصريحة مع القرينة الدالة على أن المتكلم أراد بها الزواج كذكر المهر معها وإحضار الشهود وما شابه ذلك ، أما المالكية فقد أجازوا التزويج بلفط الهبة والصدقة والتمليك إذا ذكر معها الصداق ليكون قرينة على إرادة الزواج من هذه الألفاظ كأن يقول طالب الزواج :" هب لي إبنتك بمهر كذا " ويقول الآخر:" قبلت " (2) .
إن هـذه الأراء تتعلـق بالإيجـاب فقـط أمـا القبـول فيتحقـق بـأي لفـظ يـدل علـى الـموافقـة والرضـا .
* كما أنه ليس شرطا أن يعبر عن الإيجاب والقبول باللغة العربية سواء كان العاقدان يحسنان اللغة أم لا ، لأن المقصود هو التعبير الواضح عن الإرادة ، لكن الشافعية ذهبت إلى أنه لا ينعقد الزواج بغير العربية إذا كان العاقدان يفهمانها ، كما أن الشيعة ذهبت إلى عدم جواز الترجمة مع القدرة على النطق بالعربية و إلى جوازها مع العذر كالأعجم (03).
* أما في إنعقاد الزواج بغير الكلام ، فقد ميز الفقه بين حالتين ، فإذا كان العاقدان حاضرين معا في مجلس العقد وكانا قادرين على النطق ، فلا يصح الزواج بينهما بالكتابة لأن اللفظ هو الأصل في التعبير عن الإرادة ولأن الكتابة كناية ، و النكاح لا ينعقد بالكناية ، أما إذا كان العاقدان غائبين ، فقد ذهب جمهور العلماء من المالكية و الشافعية و الحنابلة إلى المنع من إجراء عقد الزواج بالكتابة بين غائبين وأجاز ذلك الحنفية، حيث يجيزون للرجل الغائب عقد الزواج بالمراسلة و التعبير عن الرضا بواسطة الرسائل المكتوبة عندما تتضمن هوية الزوجة وتتم قراءة الرسالة علانية بحضور الشهود وتعلن المرسل إليها قبولها أمامهم ولو لم تكن الرسالة قد تضمنت مقدار و نوع الصداقة (1) .
أما المشرع الجزائري فقد ذهب من خلال نص المادة العاشرة من قانون الأسرة إلى ما ذهب إليه المانعون من إنعقاد الزواج بالكتابة حيث حصر التعبير عن الإرادة في اللفظ ولم يستثنى الغائبين كما فعل بالنسبة للعاجز ، في حين نجد أن بعض قوانين الأحوال الشخصية لبعض الدول العربية قد حددت موقفها بوضوح ، حيث أن القانون المصري مثلا في مادته السادسة ينص على أنه : " يجوز أن يكون الإيجاب عن الغائب بكتاب أو بواسطة رسول " .
أما القانون السوري للأحوال الشخصية فقد نص في مادته السابعة على أنه : " يجوز أن يكون الإيجاب و القبول بالكتابة إذا كان أحد العاقدين غائبا عن المجلس " (2) .
* ومما تجدر الإشارة إليه أن الزواج لا ينعقد بواسطة الهاتف لأن الشاهدان يسمعان كلام أحد العاقدان فقط وسماعهما الإيجاب وحده أو القبول وحده غير كاف لصحة العقد وكذلك لوشهد إثنان على كلام أحدهما وآخران على كلام الآخر لا يعتد بذلك لأن الشهادة لم تكن على كامل العقد .
وأما عند من لم يشترط الشهادة فيمكن أن يقال أنه ينعقد متى تأكد كل من الطرفين من شخص الآخر و من وضوح عبارته ، و التأكد من ذلك عسير لإشتباه الأصوات و إمكانية تقليدها (1) .
* وأما العاجز عن الكلام كالأخرس فإن كان لا يحسن الكتابة ، فيعبر عن إرادته بإشارته المعروفة لأنه لا سبيل له في التعبير عن إرادته إلا بها ولا يزوجه وليه إن كان بالغا ، لأن الأخرس كالأصم لا يحجر عليه ، والأخرس إذا كان يحسن الكتابة فالأرجح أن لا يقبل منه التعبير عن إرادته بالإشارة ، لأن الكتابة أقوى بيانا من الإشارة حيث يعرفها كل من يقرأ بخلاف الإشارة التي لا يعرفها إلا القليل ، وهذا ما أخذ به القانون المصري حيث ينص في المادة 128 على أن : " إقرار الأخرس بإشارته المعهودة ولا يعتد بإقراره بالإشارة إذا كان يمكنه الإقرار بالكتابة ... " (2) .
وقد لاحظنا أن المشرع الجزائري عندما نص في المادة العاشرة من قانون الأسرة على أنه : " ... ويصح الإيجاب والقبول من العاجز بكل ما يفيد النكاح لغة أو عرفا كالكتابة و الإشارة " و لم يعط الأولوية للتعبير بالكتابة عنه بالإشارة ، ويفهم من ذلك أنه يمكن للأخرس التعبير عن الإرادة بالإشارة حتى ولو كان يعرف الكتابة المهم أن تكون الإشارة لديها دلالة معروفة خصوصا لدى شهود العقد .
* أما عن مدى صلاحية السكوت للتعبير عن الإرادة في عقد الزواج فقد أجاز الفقهاء ذلك بالنسبة للبكر فقد استنادا لقوله صلى الله عليه وسلم : "ليس للولي من الثيب أمر " وقوله :" الأيم أحق بنفسها من وليها و البكر تستأذن و إذنها صمتها " .
* أما عن إنعقاد الزواج بالأفعال فقد اتفق الفقهاء على أن الزواج لا ينعقد بالأفعال ، كأن تقول إمرأة لرجل زوجتك نفسي بمائة دينار مثلا ، فيدفعها إليها من غير أن يتكلم حتى ولو كان أمام شهود فليس في هذه الصورة إلا الإيجاب و الزواج لا يتحقق بالإيجاب وحده (1).
* وعقد الزواج من بين العقود التي يمكن أن يتولاها عاقد واحد يقوم مقام عاقدين وتقوم عبارته مقام عبارتين ، وذلك يكون إذا كانت ولاية إنشاء العقد في كلا الجانبين لنفس الشخص ، وتكون له الولاية من الجانبين في الحالات التالية :
1 – إذا كان وكيلا عن الرجل والمرأة .
2 – إذا كان وكيلا من جانب و أصيلا من جانب ، كأن توكله المرأة في أن يزوجها من نفسه.
3 – أن يكون وليا من جانبين ، كأن يزوج حفيدته من إبن عمها الذي هو حفيده أيضا وكلايهما في ولايته .
4 – أن يكون وليا من جانب و وكيلا من جانب آخر كأن يوكله رجل آخر في أن يزوجه من إبنته التي هي في ولايته .
5 – أن يكون وليا من جانب و أصيلا من جانب آخر كأن يزوج نفسه من إبنة عمه التي هي في ولايته .
* أما الوكالة في الزواج فقد أجازها الفقهاء وذلك لأن الواقع المعتاد في أكثر عقود الزواج أن لا يباشر الرجل و المرأة العقد بنفسهما لغلبة الحياء ، ومن هنا نص المشرع في المادة 20 من قانون الاسرة على أنه " يصح أن ينوب عن الزوج وكيله في إبرام عقد الزواج بوكالة خاصة " أو بورقة رسمية معدة لهذا الشأن ،إذا فالزواج بالوكالة جائز لكن ليس للوكيل أن يجاوز حدود الوكالة في نقل رضا وشروط الزوج الذي ينوب عنه ، أما إذا جاوز الوكيل حدود وكالته كان تصرفه موقوفا على إجازة الأصيل (2)
* كما أنه يشترط في عقد الزواج أن يكون منجزا وذلك بخلوه من التعليق على الشرط يحتمل أن يتحقق أو لا يتحقق وصيغته غير مضافة لأجل في المستقبل ، أما إذا إقترن الزواج بشرط يتماشى ومقتضيات العقد ويساير ما تأمر به الشريعة الاسلامية فهذا جائز ، كاشتراط تعجيل بعض الصداق و تأجيل بعضه، وهو ما أشارت إليه المادة 19 من قانون الأسرة بقولها :" للزوجين أن يشترطا في عقد الزواج كل الشروط التي يريانها ما لم تتناف مع هذا القانون ".
أما إذا كان الشرط مخالفا لقانون الأسرة ولأحكام التشريع الإسلامي ولا يتفق مع مقتضيات العقد فالشرط هنا باطل بإتفاق العلماء و العقد يبقى صحيحا، وهو ما ذهب إليه المشرع الجزائري في المادة 35 من قانون الأسرة بقوله :"إذا إقترن عقد الزواج بشرط ينافيه كان ذلك الشرط باطلا والعقد صحيحا "، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا " .
* 1. 3 . شــــروط الرضــا :