الـمبحـث الأول
الالتزامات الـمعاصرة للبيع
المبحث الأول
الالتزامات المعاصرة للبيع
هي بعدد أربع التزامات إثنان منها منصوص عليها في القانون المدني، و يتمثلان في الإلتزام بنقل ملكية المبيع والالتزام بالتسليم، في حين تضمنت القواعد العامة و كذا قانون حماية المستهلك الإلتزامين الآخرين و هما الإلتزام بالإعلام و النصيحة و التزام السلامة، و ما يهمنا في هذا البحث هما الالتزامين المنصوص عليهما في القانون المدني فقط.
و سوف نتناولها تباعا .
المطلب الأول
الالتزام بنقل ملكية المبيع
هو أول التزام ينصب على عاتق البائع بمجرد إبرام العقد، و تبعا لذلك نصت المادة 361 من القانون المدني بقولها: « يلتزم البائع بكل ما هو ضروري لنقل الحق المبيع إلى المشتري ، و أن يمتنع عن كل عمل من شأنه أن يجعل نقل الحق مستحيلا أو عسيرا » .
و لقد بقيت أغلب القوانين الأجنبية وفية للقاعدة المعروفة في القانون الروماني و القانون الفرنسي القديم : وتتمثل في كون البيع لا ينتج إلا مجرد التزامات على عاتق الطرفين، و من بينها التزام البائع بنقل ملكية المبيع للمشتري، أي التزاما بإعطاء شيء ماde donner ، فليس هو العقد إذن المنتج للأثر الناقل بل الذي ينقلها وضع من الأوضاع المادية كالقبض (التسليم المادي) و التنازل القضائي، و تبعا لهذه الفرضية لا يختلف عقد البيع عن غيره من العقود فهو لا ينشئ إلا التزامات، و من بينها الالتزام بنقل ملكية المبيع للمشتري.
و لقد أراد واضعو القانون المدني الفرنسي لسنة 1804 قطع أية علاقة بالماضي، و ربط نقل الملكية باتفاق الإرادتين وحدهما ، وهذا ما يفسر العبارات الدقيقة جدا للمادة 1583 بقولها :
« تكتسب الملكية قانونا للمشتري في مواجهة البائع بمجرد الاتفاق على المبيع و الثمن، حتى و لو لم يسلم المبيع و لم يدفع الثمن » .
و هذا ما نسميه النقل بالإرادة وحدها solo consensus ، بواسطة الرضا وحده فيصبح نقل الملكية أثرا قانونيا للبيع، و ليس التزاما يلحق البيع.
ولقد أخذ القانون الجزائري بهدا النظام ، المتمثل في انتقاله ملكية المبيع بمجرد إبرام العقد أي بقوة القانون، إذ ا كنا بصدد منقول معين بذاته، في حين يقع على البائع التزام بنقل الملكية في حالة المنقول المعين بنوعه وكذا في حالة العقار وتبعا لذلك سوف نتناول تلك المسائل أدناه .
الفرع الأول
انتقال الملكية في بيع المنقولات :
(I ـ المنقول المعين بالذات
بالنسبة للمبيع المعين بذاته، تنتقل الملكية بقوة القانون فورا للمشتري، بواقعة واحدة وهي تكوين العقد، ولا يهم أن يكون المبيع لم يتم تسليمه أو الثمن لم يدفع بعد، وهذا ما أوضحته صراحة المادة 165 من القانون المدني والمقحمة في المقتضيات المتعلقة بالنظرية العامة للعقود، والتي وضعت خصيصا لغرض البيع بقولها :
" الالتزامات بنقل الملكية أو أي حق عيني آ خر من شأنه أن ينقل بحكم القانون الملكية أو الحق العيني، إذا كان محل الالتزام شيئا معينا بالذات يملكه الملتزم، وذلك مع مراعاة الأحكام المتعلقة بالإشهار العقاري "
وهكذا يكون المشتري مالكا على الفور، في أي مكان يتواجد فيه المبيع، سواء كان بين يدي البائع، أو يدي الغير، وهذا ما يفسر التزامه باستلام المبيع .
وابتداء من تلك اللحظة نفسها يدخل المبيع في ذمته المالية، ويصبح رهنا لدائنيه الذين بإمكانهم حجزه، أو من مخلفات تركته إن توفي . وتكون له لوحده الصفة لإبرام تصرفات بخصوص ذلك الشيء، وفي الوقت نفسه يخرج الشيء من الذمة المالية للبائع، ولا يكون باستطاعة دائنية الحجز عليه، والتصرفات التي يبرمها بشأنه مثل البيع الجديد أو الإيجار تكون صادرة عن غير مالك .
ونفس الحال بالنسبة لانتقال الملكية في البيع الجزاف Vente en bloc، لصراحة نص المادة 362 من القانون المدني بقولها :
« تنتقل الملكية في البيع الجزاف إلى المشتري بالطريقة بنفس الطريق التي تنتقل بها ملكية الشيء المعين.
ويعتبر البيع جزافا ولو كان تعيين الثمن متوقفا على تحديد مقدار الشيء المبيع »
و بذلك تنتقل الملكية في البيع الجزاف بمجرد إبرام العقد .
شروط انتقال الملكية بمجرد العقد :
هي بعدد أربعة ، إثنان منهما مستنبطة من المادة 165 أعلاه و أخرى مستنبطة من القواعد العامة في العقود .
1) ـ أن يكون المبيع معنيا بذاته : هذا الشرط بديهي، لأن الملكية باعتبارها حقا عينيا لا ترد إلا على الأشياء المعينة بالذات، فإن كان المبيع منقولا معينا بنوعيه فقط كالمثليات كما سوف نرى أدناه فإنه لا يمكن تصور انتقال الملكية فيه بمجرد اتفاق الطرفين، بل لابد من اجراء آخر و هو فرز هذا المبيع و تحديد ذاتيته حتى يمكن أن تنتقل ملكيته، فالحق العيني إذن لا يرد إلا على شيء قيمي ( عين معينة بالذات ) . و العين المعينة ( أو الشيء القيمي ) هي التي تتميز عن غيرها بصفات خاصة تعينها تعيينا ذاتيا بحيث لا يقوم غيرها مقامها عند الوفاء، فينظر فيها إلى وصف ذاتي يميزها عن غيرها كسيارة معينة من طراز معين تحمل رقما معينا، أو حصان معين معد للسباق، أو كراسي معينة من صنع شركة معروفة ونتقل الملكية في الأشياء المستقبلية بمجرد تحقق وجودها، كما في بيع شيئ تعهد البائع بصنعه خصيصا للمشتري كثوب أو حذاء أو تمثال أو صورة، و في بيع محصول أرض معينة في موسم بذاته، أما إذا ورد البيع على أشياء مستقبلية معينة بنوعها فقط، فلا تنتقل ملكيتها بمجرد وجودها، و إنما لا بد في ذلك من فرزها، أي من تعيينها بالذات، كما في بيع عشرة قناطير من محصول القطن المقبل، و لو عينت الأرض التي سينتج منها ذلك المحصول، فلا تنتقل ملكية المبيع بمجرد ظهور المحصول بل بعد فرز القناطير العشرة من ذلك المحصول و تعيينها بالذات (1) .
2) ـ أن يكون المبيع مملوكا للبائع وقت البيع : فالبائع لا يستطيع أن ينقل للغير أكثر مما يملك، و على هذا إذا كان البائع غير مالك للبيع، فلا يستطيع أن ينقل ملكيته إلى المشتري، و هذا الشرط اقتضته طبيعة البيع من أنه عقد ناقل للملكية بذاته فإذا كان البائع غير مالك للبيع وقت البيع استحال انتقال الملكية منه إلى المشتري بمجرد العقد (2) .
3) ـ أن يكون المبيع موجودا وقت العقد : لأنه إذا كان محتمل الوجود مستقبلا كما في بيع محصول مستقبل أو سلعة يراد صنعها، فإنه لا يكون صالحا لأن يريد عليه حق ملكية لا للبائع و لا للمشتري، فلا يتصور أن تنطبق عليه القاعدة، فبيع المحصول المقبل لا يجعل المشتري مالكا هذا المحصول، بل يجعله فقط دائنا به للبائع، فإذا ما تحقق وجود المحصول في وقت ما بعد البيع صار المشتري مالكا إياه ابتداء من هذا الوقت فقط، لزوال المانع من نشوء حق الملكية و هو وجود الشيئ و بشرط توافر الشروط الأخرى المذكورة أعلاه .
4) ـ أن يكون التزام البائع بنقل الملكية باتا : أي غير معلق على شرط و لا مضاف إلى أجل، و إلا فإنه يكون مما يخالف قصد العاقدين من انتقال ملكية المبيع إلى المشتري من وقت العقد، لأن قاعدة انتقال الملكية في المنقول المعين بذاته بمجرد العقد ليست من النظام العام .
فقد أجاز المشرع للبائع أن يشترط في العقد أن يكون نقل الملكية موقوفا على دفع الثمن كله في حالة كون ثمن المبيع مؤجلا و حتى لو كان قد بادر بتسليم المبيع للمشتري، و هذا حسب المادة 363 مدني .
و عند دفع آخر قسط من الثمن ، اعتبر المشتري مالكا للمبيع بأثر رجعي أي من يوم البيع و ليس من يوم دفع القسط الأخير.
و في القانون الفرنسي يتم تسبيق نقل الملكية في بيع بناء في طور الإنجاز، فبدلا من انتظار الانتهاء من الإنجاز يتم نقل الملكية عن كل جزء كلما تقدمت الأشغال قصد حماية المشتري من إفلاس البناء ، لكن يجب أن لا يكون تدبير الحماية هذا ضد المشتري فالمخاطر لا تتبع هذا النقل المسبق، و يكون الأمر كذلك في حالة السفن في طور البناء ، أين لا يتم بديهيا نقل الملكية إلا عند الانتهاء من بناءها.
1 - سليمان مرقس : العقود المسماة ، عقد البيع ، الطبعة الرابعة ، 1980 ، عالم الكتب القاهرة ، ص 260 و ما بعدها .
2- زهدي يكن : عقد البيع ، منشورات المكتبة العصرية صيدا بيروت ، بدون تاريخ ، ص 180 .
تعدد البيوع الواردة على منقول معين بالذات :
إذا قام البائع ببيع المنقول المعين بالذات للمشتري و لم يسلمه له، ثم قام ببيعه ثانية لمشتر ثان، فإذا سلم البائع المبيع للمشتري الأول، فإنه يكون قد سلمه إلى المشتري الحقيقي للشيء، و لا يكون للمشتري الثاني إلا الرجوع على البائع بالتعويض (3) .
أما إذا سلمه إلى المشتري الثاني، و كان هذا الأخير حسن النية، فإنه يكتسب ملكية الشيء، طبقا لقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية المنصوص عليها في المادة 835 من القانون المدني بقولها :
" من حاز بسند صحيح منقولا أو حقا عينيا على المنقول أو سندا لحامله، فإنه يصبح مالكا له إذا كان حسن النية وقت حيازته " .
و تعتبر الحيازة في ذاتها قرينة على وجود السند الصحيح و حسن النية ما لم يقم دليل على خلاف ذلك، فالحيازة قرينة على امتلاك المشتري الثاني للمنقول، و على أنه كان حسن النية وقت استلامه للمبيع من البائع، وهذه القرينة بسيطة إذ باستطاعة المشتري الأول أن يثبت عكس مدلولها، بأن يثبت بجميع الوسائل (لكون الأمر يتعلق بمسألة مادية) بأن المشتري الثاني كان سيء النية أثناء انتقال الحيازة إليه، بأنه كان على علم في كون البائع قد تصرف بالبيع في المنقول لصالحه ومع ذلك قبل شراءه .
وعندئذ يسترد المشتري الأول المنقول من حائزة ( المشتري الثاني ) لأن البائع يعتبر قد تصرف في ملك الغير، ولأن تواطأ المشتري الثاني يجعله حائزا بسوء نية .
3- خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، الجزء الرابع ، عقد البيع ، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ، طبعة 2001 ،
ص 111 و ما بعدها .
(II ـ المنقول المعين بنوعه
المنقول المعين بنوعه هو من المثليات التي تختلط ببعض ويقوم بعضها مقام بعض، وقد عرفت المادة 686 من القانون المدني المثليات بقولها :
" الأشياء المثلية هي التي يمكن تعويضها ببعضها البعض عند الوفاء، والتي من المعتاد أن تحدد في التعامل بين الناس بالعدد، أو المقياس أو الحجم أو الوزن "
وتبعا لذلك لا تنتقل الملكية فيها إذا كانت محلا للبيع، إلا بالفرز، وهذا بواسطة عزل المبيع عن غيره وتفريده بحيث يصبح معينا بالذات، وهذا الالتزام يقع على البائع، الذي يقوم إما بعد المبيع وتحديد عدده أو قياسه كما في القماش أو تحديد حجمه أو وزنه .
وتبعا لذلك نصت المادة 166 من القانون المدني على أنه:
" إذا ورد الالتزام بنقل حق عيني على شيء لم يعين إلا بنوعه، فلا ينتقل لحق إلا بإفراز هذا الشيء.
فإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه، جاز للدائن أن يحصل على شيء من النوع ذاته على نفقة المدين بعد استئذان القاضي كما يجوز له أن يطالب بقيمة الشيء من غير إخلال بحقه في التعويض ".
أ) ـ عملية إفراز المبيع :
يقع هذا الالتزام الذي يكون الهدف منه هو نقل ملكية المبيع على عاتق البائع، فلو باع القماش خمسة أمتار من قماش معين، فإن الملكية لا تنتقل إلى المشتري إلا بعد فرزه بواسطة القياس للكمية المطلوبة و ذلك بقياسها وقطعها من بقية القماش، كما إذا باع شخص قنطارين من العلف موجود في مخزن، فإن الملكية لا تنتقل إلا بالفرز بواسطة الوزن وعلى البائع القيام بذلك الالتزام . و ما دمنا لا نعرف ماهية الأشياء النوعية التي بيعت، لا يمكن أن يقع نقل الملكية دون تحديد وعائها. فبالنسبة للبيوع بالجملة أو بالكتلة (مثل كل المخزون) يجب فرز المبيع، فلا يمكن إذن نقل الملكية فورا ولم تعرف بعد قيمة و مقدار المخزون بدقة، و كذا إذا كان الثمن لم يحدد بعد بالنتيجة (4).
و بخصوص البيوع بالقياسà la mesure مثل عشرة أطنان من القمح مشتراة من تاجر، أو سيارات من نوع معين مشتراة من منتج، فلا يقع الفرز إلا في لحظة عزل الأشياء المخصصة للمشتري عن بقية مخزون البائع، و يمكن أن يقع ذلك الفرز و يتم إثباته باعتباره واقعة بسيطة بكل وسيلة تنبئ عن تخصيص الشيئ للمشتري، بشرط أن يكون ظاهرا، مثل وضع ملصقة، وضع علامة (5)، الوضع في حظيرة، الوضع في مركبة الخ...
4- نقض مدني فرنسي . الغرفة الأولى في 1 فبراير 1983 .
5- نقض تجاري فرنسي في 19 مارس 1963 بخصوص وضع علامة على ثور .
ب) ـ جزاء تملص البائع عن تنفيذ التزامه بنقل الملكية :
إذا أحجم البائع عن تنفيذ التزامه بنقل ملكية المبيع المعين بنوعه للمشتري، و هذا بعدم إفرازه بحيث يصبح معينا بذاته، فإن للمشتري خياران :
الخيار الأول :
و يتمثل في حصول المشتري على شيئ من النوع ذاته على نفقة البائع، و ذلك بأن يشتريه من السوق أو من تاجر آخر، و هذا بعد استئذانه للقاضي، فالقاضي هو الذي يرخص له بذلك .
و في حالة الإستعجال، مثل تعهد المشتري بتموين مستشفى بمواد غذائية يوميا، فإنه يمكن الحصول على المبيع من السوق أو من شخص غير البائع دون استئذان القاضي .
فالالتزام بنقل الملكية بواسطة فرز المبيع هو التزام بعمل و تطبيقا لذلك نصت المادة 170 من القانون المدني على أنه:
"في الالتزام بعمل، إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه جاز للدائن أن يطلب ترخيصا من القاضي في تنفيذ الالتزام على نفقة المدين إذا كان هذا التنفيذ ممكنا ".
الخيار الثاني :
باستطاعة المشتري أن يطالب بقيمة المبيع دون الإخلال بحقه في التعويض، و ينصب التعويض عن ما لحقه من خسارة و ما فاته من كسب، خاصة إذا ارتفعت أسعار المبيع في السوق بعد امتناع البائع عن عملية الإفراز.
الفـرع الثانــي
نقل الملكية في بيع العقارات :
لا تنتقل الملكية في العقار أو الحقوق العينية العقارية، سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير، إلا بإشهار العقد في مصلحة الشهر العقاري ، و على ذلك يقع التزام على البائع بإشهار البيع .
و يجب أن يكون عقد البيع رسميا طبقا للمادة 324 مكرر 1 من القانون المدني بقولها :
" ... بجب تحت طائلة البطلان، تحرير العقود التي تتضمن نقل ملكية عقار أو حقوق عقارية … في شكل رسمي و يجب دفع الثمن لدى الضابط العمومي الذي حرر العقد ".
و هذا البطلان من النظام العام، فالرسمية هنا ركن في عقد البيع، أما الإشهار العقاري، فإنه مشترط قصد انتقال الملكية فيما بين المتعاقدين و في مواجهة الغير، غير أنه يجب الإشارة إلى أن نقل ملكية العقار يجعل البائع ملتزما بما يلي :
1- التوجه رفقة المشتري إلى الموثق قصد إبرام العقد، و أن يرفق معه كل الوثائق الضرورية لذلك مثل أصل الملكية .
2- إفراز المبيع أي القطعة العقارية موضوع البيع حيث تصبح واضحة المعالم من جهة و كذا الحدود و المساحة .
3- إشهار عقد البيع، خاصة إذا كان عقد البيع إداريا، أي عقدا رسميا صادرا عن الإدارة، كأن تبيع البلدية أو الولاية مثلا قطعة أرض لمواطن، فهنا يقع التزام على البائع بنقل الملكية و هذا بواسطة إشهار العقد.
و لقد نصت المادة 793 من القانون المدني على أنه:
" لا تنتقل ملكية العقار و الحقوق العينية الأخرى في العقار سواء كان ذلك بين المتعاقدين أم في حق الغير إلا إذا روعيت الإجراءات التي ينص عليها القانون و بالأخص القوانين التي تدير مصلحة شهر العقار ..."
غير أنه إذا تم إبرام العقد أمام الموثق، فإن القانون أوجب على الموثق أن يقوم بإشهار العقد، و هذا تطبيقا للمادة 90 من المرسوم رقم 76/63 المؤرخ في 25 مارس 1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري بقولها :
" ينبغي على الموثقين و كتاب الضبط و السلطات الإدارية أن يعملوا على إشهار جميع العقود أو القرارات القضائية الخاضعة للإشهار، المحررة من قبلهم أو بمساعدتهم و ذلك ضمن الآجال المحددة ".
و على ذلك فانتقال الملكية يتم بموجب الشهر العقاري، و يجب أن يحتوي العقد أو القرار القضائي حتى يمكن إشهاره على البيانات التالية:
1- ألقاب و أسماء وتاريخ و مكان ولادة و جنسية و موطن و مهنة الأطراف .
2- وجوب المصادقة على ألقاب و أسماء و تاريخ و مكان ولادة و جنسية الأطراف من طرف موثق أو كاتب ضبط أو سلطة إدارية، في أسفل كل جدول أو مستخرج أو صورة أصلية أو نسخة مودعة، من أجل تنفيذ الإجراء (6) .
6- المادة 62 من المرسوم 76/63 المشار إليه أعلاه.
و على ذلك فإن واجب الإشهار في حالة البيع التوثيقي ينصب على الموثق أما إذا كان البيع إداريا و حرر بموجبه عقد إداري، فإن هذا الواجب يقع على السلطة الإدارية البائعة، كما يقع على كاتب الضبط عندما تقضي المحكمة بصحة البيع و يصبح الحكم نهائيا (7) .
و إذا لم يتم إشهار عقد بيع العقار، فإن البيع يكون صحيحا لكن لا يترتب إلا التزامات شخصية بين طرفيه، فالملكية لا تنتقل إلى المشتري، لكن الالتزامات المنصبة على الطرفين بموجب عقد البيع تبقى سارية المفعول مثل الإلتزام بالتسليم وبالضمان، و كذا بدفع الثمن إن لم يكن قد دفع لدى الموثق .
أما في القانون الفرنسي فإن الإشهار في بيوع العقارات ليس شرطا لنقل الملكية فيما بين المتعاقدين، و لكن الهدف منه هو إعلام الغير، بأن العقار موضوع تصرف، فقد أخضع مرسوم 4 يناير 1955 للإشهار كل بيع منصب على حق عيني عقاري ( ملكية، ارتفاق، انتفاع، الخ... ) و يوضح بأن تلك التصرفات لا يمكن الاحتجاج بها على الغير إن لم تكن مشهرة، فإن تصرف البائع ببيعها ثانية و تم شهرها فإن هذا التصرف الأخير يبقى صحيحا رغم أنها بيعت من قبل لمشتري آخر.
و على ذلك لا يحتج بالبيع على الغير، المكتسبين لحق منافس إلا من تاريخ إشهاره، و لغاية ذلك التاريخ تبقى الحقوق التي تصرف فيها البائع صحيحة إن أشهرت في وقت سابق، و يحسم النزاع بين مشترين للعقار نفسه بواسطة تاريخ إشهار البيع كما هو عليه الحال بخصوص الرهن الرسمي.
غير أن القضاء الفرنسي خفف من آلية هذا الحل باللجوء إلى فرضية حسن النية، فمن يكتسب حقا من البائع و هو عارف بوجود بيع آخر حتى و لم يكن قد أشهر بعد، لا يستطيع الإستفادة من تلك القواعد لأن : "اكتساب عقار مع معرفة البيع السابق للغير يشكل خطأ لا يسمح للمشتري الثاني بإقحام قواعد الإشهار العقاري لفائدته ( ".
و يجب أيضا لإعمال هذا الإستثناء بأن يعلم الغير بهذا البيع أثناء إبرام العقد و إن جهل ذلك، لا يهم إن علم به فيما بعد (9) و إن أعيد بيع المال، فإن حسن النية يبحث في شخص المشتري من الباطن (الفرعي) .
و بخصوص المنقولات المادية، فإن القانون الفرنسي، مثل ما ذكرنا بالنسبة للقانون الجزائري، يحسم النزاع بواسطة وضع اليدmise en possession و هذا هو الحل المعطى من طرف المادة 1141 من القانون المدني الفرنسي و الذي يحتوي على التحفظ نفسه المتعلق بحسن النية .
" فإذا كان الشيء الذي نلتزم بإعطائه أو تسليمه إلى شخص تتابعيا ذو طبيعة منقولة، تكون الأفضلية لمن وضع يده عليه فعليا، و يبقى مالكا بالرغم من كون سنده لاحقا في التاريخ بشرط أن تكون حيازته بحسن نية " .
و يطبق الحل نفسه على نقل كل حق عيني آخر بإعمال المادة 2279 و هكذا يكون الرهن الحيازي للمنقول المبرم من طرف البائع بعد البيع صحيحا، إذا كان الدائن المرتهن حيازيا جاهلا للبيع و وضع يده على المبيع (10) .