قال الحافظ ابن حجر ( توفي سنة 852هـ) : "لم تزل عادة النساء قديمًا وحديثاً يسترن وجوههن عن الأجانب " .. وقال أبو حامد الغزَّاليُّ : " لم يزل الرجال على مرِّ الزمان مكشوفي الوجوه ، والنِّساء يخرجن منتقبات ( فتح الباري 9/337) .
وقال الإمام المفسر السيوطي المصري ( المتوفى سنة 911هـ ) عند تفسيره لقوله تعالى : ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) : " هذه آية الحجاب في حق سائر النساء ، ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن " ..
ومما يؤكد هذا أنك لا تجد مسألة كشف الوجه من عدمه قد أخذت حيزًا كبيرًا في مصنفات العلماء السابقين ، ولم تستغرق جهدهم ووقتهم ، بل لا يكاد يوجد مصنّف خاص بهذه المسألة ؛ مما يدل دلالة واضحة أن كشف الوجه لم يكن معروفاً عندهم وبالتالي ما احتاج العلماء أن يؤلفوا في الرد على من يفتي بجواز كشف الوجه ..
وتغطية المرأة لوجهها عمل تتوارثه الأجيال .. بل حتى الصور( الفوتغرافية ) التي التقطت قديماً لديار المسلمين المختلفة ( تركيا ، مصر ، تونس ، الشام ، .. الخ ) تؤكد أن المرأة المسلمة كانت تغطي وجهها ..
كما في كتاب "مكتب عنبر" للقاسمي ، وكتاب "الطاهر الحداد ومسألة الحداثة" لأحمد خالد ، وأي كتاب يتحدث عن ثورة 1919 المصرية ..
التوجيه الرابع .. أن ..
قالت أريج : يكفي .. سارة .. والله كلام مقنع .. ولكن يمكن قصدهم بالحجاب غير الذي عندنا ..
سارة : لاااااا .. الحجاب الشرعي صفته وشروطه معروفة ..
وحجاب المرأة شرعاً هو : ستر المرأة جميع بدنها وعدم إبداء زينتها أمام الأجانب عنها.. كما قال تعالى : " ولا يبدين زينتهن " ..
أريج : أنا لا أعارضك في هذا .. ولكن الله تعالى لما نهى عن إظهار الزينة قال بعدها : " إلا ما ظهر منها " .. يعني الوجه والكفين ..
سارة : لا .. ليس الوجه والكفان .. بل المستثنى في قوله تعالى: " إلا ما ظهر منها " هو الزينة التي تظهر من نفسها .. كطول المرأة وقصرها .. ونحافتها أو سمنها ..
وكذلك "ما ظهر منها " من غير قصد .. كما لو أزاحت الريح العباءة عما تحتها من اللباس أو البدن .. فظهر شيء من زينتها اضطراراً لا اختياراً ..
لذلك قال الله " إلا ما ظهر منها " ولم يقل : إلا ما أظهرت ..
فقوله : إلا ما ظهر : أي لم تتعمد المرأة إخراجه .. ولم تقصد .. وإنما ظهر من قبل نفسه لا بفعلها هي ..
أريج : راااائع ..
سارة : وأزيدك فائدة أخرى وهي :
بِمَ يكون الحجاب ؟
الحجاب يكون بـ : الجلباب ، والخمار ..
والخمار : هو الغطاء .. والتخمير في اللغة هو السَّتر والتغطية ..
وهو ما تغطي به المرأة رأسها ووجها وعنقها وجيبها ..
فكل شيءٍ غطَّـيْتَه وستَـرْتـَهُ فقد خَـمَّرته ..
ومنه الحديث المشهور : ( خـمِّروا آنيتكم ) أي : غطُّوا فُوَّهتها ووجهها حتى لا تقع فيها الدواب ..
ومنه سميت الخمر خمراً .. لأنها تغطي العقل ..
وصفة لبس الخمار : أن تغطي المرأة ما جرت العادة بكشفه في منزلها ..
أي أن تضع الخمار على رأسها .. ثم تلفه حول وجهها .. ثم تلقي بما بقي منه على وجهها ونحرها وصدرها .. وبهذا تتم تغطية ما جرت العادة بكشفه في منزلها ..
فهي في البيت أمام محارمها .. تكشف زينتها شعرها وجهها ورقبتها ونحرها ..
فإذا خرجت أمرت بتغطية ما كانت تكشفه في بيتها من زينة الشعر والوجه ..
ويشترط لهذا الخمار :
أن لا يكون رقيقاً يشف عما تحته من شعرها ووجهها .. أو عنقها ونحرها وصدرها أو أذنيها ..
عن أم علقمة قالت : رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر .. دخلت على عمتها عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها .. فشقته عائشة عليها ..
وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور ؟ ثم دعت بخمار فكستها .. رواه ابن سعد والإمام مالك في الموطأ ..
هذا هو الجزء الأول من الحجاب .. الخمار الذي يغطي الشعر والوجه ..
والجزء الثاني هو الذي يغطي بقية البدن ..
الجلباب .. وهو : قماش تلبسه المرأة ابتداءً من رأسها إلى قدميها .. ويكون ساتراً لجميع بدنها وما عليها من ثياب وزينة ..
وهو المسمى اليوم : العباءة .. التي تلبسها نساء الجزيرة العربية ..
فهذه العباءة تستر الزينة التي على المرأة ..
قالت أريج : لكن .. سارة .. ألا تلاحظين أن عدداً من النساء وإن لبست العباءة وغطت وجهها تكون مظهرة لزينتها ؟!!
سارة : ماذا تقصدين ..
أريج : عدد من زميلاتي .. يلبسن عباءات تربط بحبل من الجنب فتفصل جسدها من أمامها وخلفها .. أو عباءات ضيقة جداً تبرز الصدر ومفاتنه .. أو ..
فقاطعتها مها قائلة : لا .. وآخر الصيحات كتابة اسم صاحبة العباءة عليها .. أو الحروف الأولى من اسمها باللغة العربية أو الإنجليزية ..
قالت سارة : أعلم والله أن هذا موجود .. وقد قرأت فتاوى كثيرة جداً بتحريم لبس هذه العباءات .. وبيعها وشراءها .. والاتجار بها .. لأن بيعها ونشرها من التعاون على الإثم والعدوان .. والله تعالى يقول :" وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ " ..
أريج : عذراً .. سارة .. إذا لبست عباءة ساترة .. لا تفصل شيئاً من جسدي .. وكشفت الوجه والكفين .. من دون أن أضع أي نوع من الماكياج أو العطور .. فقط يظهر وجهي وكفاي .. ما المشكلة ..
قالت مها : إي والله .. ما المشكلة ؟!!
تبسمت سارة وقالت : ما المشكلة !! المشكلة كبيرة ..
أريج : كيف ؟!!
سارة : أنت مسلمة وتقتنعين بالأدلة الشرعية .. صح ..
أريج : طبعاً ..
سارة : إذن اسمعي مني ..
ذكرت لك أن النساء من عصر الصحابة .. والتابعين .. وعلى مر قرون مضت بالمسلمين .. كن لا يخرجن أمام الرجال سافرات الوجوه ولا حاسرات عن شيء من الأبدان .. ولا متبرجات بزينة .. واتفق المسلمون على هذا العمل ..
حكى ذلك جمع من الأئمة من جميع المذاهب .. منهم الحافظ ابن عبد البر المالكي .. والإمام النووي الشافعي .. وشيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي .. وغيرهم ..
واستمر العمل به إلى نحو منتصف القرن 14هـ .. وقت انحلال الدولة الإسلامية إلى دول ..
وكانت بداية السفور بخلع الخمار عن الوجه في مصر .. ثم تركيا .. ثم الشام .. ثم العراق .. وانتشر في المغرب الإسلامي .. وفي بلاد العجم ..
ثم ازداد الأمر انحداراً .. إلى الخلاعة والتجرد من الثياب الساترة لجميع البدن .. فإنا لله وإنا إليه راجعون ..
وكان لبداية السفور عن الوجه قصة ..
تحمست مها .. وقالت : قصة !! سارة .. أرجوك .. احكيها لنا ..
سارة : سأحكيها لك .. لأن معرفتها مهمة .. ولأن كثيراً من بلاد الإسلام المحافظة تسير مع الأسف في الطريق نفسه ..
ولكن ما رأيك أن نعرف أولاً .. الأدلة الواضحة على وجوب تغطية المرأة لوجهها ..
أريج : ما شاء الله عليك .. هل تحفظينها كلها ..
لقاء آخر
كانت سارة مثقفة .. لكنها لم تعلم أنها ستكون في مناظرة حول الحجاب ..
فقالت : لا أحفظ الأدلة كلها .. لكني زرت معرض الكتاب المقام في الجامعة بالأمس .. واطلعت على كتاب فيه معلومات عن الحجاب .. وتاريخه .. والأدلة على وجوبه .. وقصة نزعه في بعض بلاد الإسلام .. وسوف أذهب بإذن الله بعد العصر لشرائه ..
تحمست أريج والتفتت إلى مها وقالت : مها .. ما رأيك أن نزور هذا المعرض لنستفيد ؟
لم تكن مها تحب الكتب والقراءة .. وهي بالكاد تتحمل قراءة كتبها الدراسية ..
لكنها هزت رأسها موافقة رجاء أن تلتقي بسارة مرة أخرى ..
تواعدت الفتيات الثلاث بعد العصر في معرض الكتاب بالجامعة .. ثم افترقن .. ولم تنس مها أن تطبع قبلة على رأس سارة إعجاباً بأدبها ..
في السيارة أثناء العودة إلى البيت كان النقاش حامياً بين أريج ومها حول ما ذكرته سارة من معلومات ..
قالت مها : أقرأ كثيراً في الانترنت مقالات حول التضييق على المرأة وأنها مظلومة .. وأتمتع بقراءة الدعوة إلى انطلاقها .. والصحف أيضاً فيها عدد كبير من ذلك ..
لكن هل تصدقين أني الآن أيقنت أن كل ما كنت أقرؤه فهو هراء .. وأني إن تبذلت وتكشفت وأظهرت زينتي فأول من سيستمتع بذلك هو الرجل .. لا وليس الرجل الصالح التقي النافع لدينه وبلده .. فهذا سيغض بصره .. ولكن سيتمتع به الرجل الفاجر الذي يغريني بالتكشف ليتمكن من عفتي .. أعوذ بالله ..
أعجبت أريج كثيراً بهذا الكلام من مها .. لأنها طالما نصحتها بحسن التستر وترك التبرج في لبس العباءة .. وعدم إظهار الألوان الصارخة ..
كانت أريج أكبر سناً من مها .. ولعلها أعقل أيضاً .. ولم تكن تتعامل مع قضية الحجاب تعامل الفتاة الطائشة التي تتساهل بأحكام الدين .. وتلبس ما شاءت من العباءات واللباس مهما قيل لها بصوت عاااااال : حرااااام .. بل كانت أريج مصلية صائمة ..
لكنها كانت مثقفة تحب القراءة .. قرأت في بعض المقالات أن كشف المرأة لوجهها جائز .. ما دامت غير متبرجة في لباسها ..
وقرأت أيضاً ما يردده بعضهم من القول بأن :
جواز كشف المرأة لوجهها هو قول جمهور العلماء ..!!
وأن علماء السعودية فقط هم الذين يحرمون كشف الوجه ، أما علماء مصر والشام واليمن وتركيا و .. جميع بلاد العالم فيبيحون كشفه ..
وقرأت أيضاً : أن تغطية الوجه ليست من الدين .. بل هي عادات وتقاليد لا يلزم التقيد بها ..!!
كلام سارة الذي تكلمت به بكل بساطة .. جعل أريج تعيد حساباتها من جديد .. وتفكر في مصداقية ما تقرؤه في المقالات المتفرقة في الجرائد والمجلات .. وربما الانترنت أيضاً ..
أدركت أنها كانت تقبل كل كلام دون أن تتأمل في ثقة صاحبه .. وقوة علمه .. وتقواه .. و ..
مضت الساعات بطيئة على أريج ومها .. وهما ينتظران لقاء سارة ..
دقت الساعة الرابعة .. توجهت سارة إلى الجامعة لزيارة معرض الكتاب ولقاء الفتاتين .. وتوجهت أريج ومها إلى الجامعة أيضاً ..
كان المعرض متواضعاً .. يقام سنوياً لفتيات الجامعة .. ويفتح المجال للزائرات من خارج الجامعة .. فكانت الزائرات يتنوعن ففيهن طالبات في الثانوية .. وفيهن ربات بيوت .. وفيهن من تأتي لا لشراء الكتب بل للفرجة وتغيير الجو فقط ..
وصلت سارة مبكرة .. واشترت الكتاب .. وأخذت تقلب صفحاته في انتظار وصول أريج ومها ..
وصلت الفتاتان .. التقت بهما سارة ومعها الكتاب ..
كانت سارة تعلم أن النقاش سيكون حامياً وطويلاً .. فتوجهت بهما إلى مطعم الجامعة ..
في مطعم الجامعة
كان المطعم كبيراً يحتوي على طاولات دائرية .. تكفي كل واحدة لجلوس أربع طالبات .. لكن الزحام فيه كان شديداً بسبب معرض الكتاب .. إضافة إلى وجود بعض الأطفال الصغار مع أمهاتهم ..
جعلت الثلاث يبحثن عن مكان مناسب بعيد عن الإزعاج .. حتى رأت مها طاولة في الزاوية اليسرى بعيدة عن الناس .. فأشارت إليها .. فتوجهت الثلاث وجلسن عليها ..
أخرجت سارة كتاب الحجاب وبدأت تتصفحه وتختار منه بعض المواضع لقراءته ..
يبدو أن سارة نسيت نفسها .. وبدأت تقرأ بعض الصفحات ..
قالت أريج : ما رأيك أن تقرئي علينا الفهرس .. ونختار منه ما يهمنا ..
بدأت سارة تقرأ الفهرس ..
ص3 المقدمة ..
ص6 أهمية الحجاب ..