الدليل الرابع عشر :
قوله : لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين " رواه البخاري ..
فمنع المرأة إذا أحرمت من أن تلبس ما جرت عادتها بلبسه في غير الإحرام ..
كما منع الرجل عن لبس القميص .. والعمامة .. لأنه يلبسهما في غير الإحرام ..
فدل ذلك أن عادة النساء في عهده كن ينتقبن .. أي يسترن وجوههن ولا يخرجن إلا العينين ..
الدليل الخامس عشر :
قوله : " لا تباشر المرأةُ المرأةَ فتنعتها لزوجها حتى كأنه ينظر غليها " رواه البخاري ..
وفي هذا دليل على أن النساء إذا خرجن يكن مغطيات وجوههن بحيث لا يستطيع الرجل أن يعرف وصف المرأة ومعالم وجهها إلا بسؤال امرأته أو سؤال من ينظر إليها من النساء ..
ولو كانت النساء في عهده يمشين في الشوارع كاشفات عن وجوههن لما احتاجت المرأة أن تصف المرأة للرجل ما دام قادراً على أن ينظر إليها في الطريق إذا شاء ..
الدليل السادس عشر :
عن المغيرة بن شعبة .. قال :
خطبت امرأة فذكرتها لرسول الله ..
فقال لي : هل نظرت إليها ؟
قلت : لا .. قال : فانظر إليها ، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ..
فأتيتها وعندها أبواها وهي في خدرها ..
فقلت : إن رسول الله أمرني أن أنظر إليها ..
فسكتا .. فرفعت الجارية جانب الخدر فقالت : أُحَرِّجُ عليك – أي أقسم عليك - إن كان رسول الله أمرك أن تنظر إليَّ لما نظرت .. وإن كان رسول الله لم يأمرك أن تنظر إلي فلا تنظر ..
فنظرت إليها .. ثم تزوجتها .. قال فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها ..
والشاهد .. لو كانت النساء عندهم يمشين مكشوفات الوجوه لقعد لها في الطريق ونظر إليها .. وانتهينا ..
ولما تكلف المغيرة أن يذهب إلى أهلها .. ويحرجهم .. ويطلب أن ينظر إليها .. ويقسم لهم أن رسول الله أمره بذلك .. ولو كانت الفتاة الكل يرى وجهها لما كانت تسمح له أن يرى وجهها وهي على قمة الحياء والخجل ..
كانت عينا سارة مركزة على الكتاب تقرأ .. ويبدو أن هذا الحديث أثر في مها كثيراً .. فكتمت عبراتها .. ثم انفجرت باكية ..
رفعت سارة رأسها .. والتفت أريج :.. مها .. لماذا تبكين ..
فركت مها عينيها وقالت : لا شيء .. لا شيء .. لكن الله يرحم حالنا .. هذي صحابية .. وتقسم على الصحابي أن لا يرى وجهها إلا إن كان الرسول أذن له بذلك .. وأنا ألبس أحسن اللبس وأدور في السوق والمستشفى .. !! بالله ماذا استفدت !!
تلك الصحابية تنتفض أن يراها للحظة واحدة صحابي جليل عابد صالح .. جاء خاطباً .. وأنا ألبس هذه العباءات المتبرجة .. وتحتها ما الله به عليم من الزينة .. ولا أخجل ..
تأثرت مها .. أكثر .. وجعلت تتذكر نظرات الرجال إليها .. وتغطي وجهها بيديها باكية ..
هدأت سارة من بكائها .. وشكرتها على تأثرها .. وقالت : مها .. أنت إن شاء الله مقبلة على خير .. وقد حباك الله بنعم لا بد أن تطيعيه بها .. وأول ذلك التزام أوامره بالحجاب والمسابقة إلى الخيرات ..
نعم .. مِن شكر الله تعالى على نعمه عليك أن تطيعيه بها .. فاشكري نعمة الصحة والسمع والبصر .. حتى يحبك الله ويحسن خاتمتك ..
أذكر أن امرأة صالحة .. مرت عليها خمسون عاماً وهي بكماء لا تتكلم .. لكنها كانت صائمة قائمة ..
كانت تصلي الليل .. ولا يسمع لها زوجها حساً .. لأنها بكماء ..
في ليلة من الليالي استيقظت المرأة وبدأت تصلي بصوت مسموع ..
فاستيقظ زوجها مستغرباً يفرك عينيه .. فرحاً مستبشراً ..
وجعل يرهف سمعه لها .. وهي تناجي ربها ..
ثم سمعها تنطق بالشهادتين نطقاً واضحاً صحيحاً ..
ثم تضرعت إلى الله عز وجل بالدعاء ..
ثم ماتت على سجادتها ..
بالله عليك ألا تتمنين هذه الخاتمة ..
بدا التأثر واضحاً على مها وأريج ..
ساد الهدوء المكان قليلاً ..
ثم رفعت أريج رأسها إلى سارة وقالت : طيب واصلي القراءة يا سارة ..
واصلت سارة القراءة ..
الدليل السابع عشر :
عن جابر بن عبد الله قال :
سمعت رسول الله يقول :
" ثم إذا خطب أحدكم المرأة فقدر على أن يرى منها ما يعجبه ويدعوه إليها فليفعل "
قال جابر : فلقد خطبت امرأة من بني سلمة .. فكنت أتخبأ في أصول النخل حتى رأيت منها بعض ما أعجبني فتزوجتها ..
فلو كانت هذه المخطوبة تمشي مكشوفة الوجه .. لما احتاج جابر أن يختبأ لها في النخل ليراها .. بل كان يقعد لها في الطريق بكل سهولة وينظر إليها ..
التفتت سارة فجأة إلى مها وقالت مازحة :
لا تعملي لنا قضية مثل قبل قليل .. إذا ناوية تبكي اطلعي برا !!
كتمت أريج ضحكتها ..
تبسمت مها وقالت : طيب يا أستاذة !! واصلي القراءة ..
ضحكت سارة .. وأكملت القراءة ..
الدليل الثامن عشر :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال :
قبرنا مع رسول الله رجلاً فلما رجعنا وحاذينا بابه ..
إذ هو بامرأة لا نظنه عرفها .. فنظر إليها النبي ..
فقال : يا فاطمة .. من أين جئت ؟!
قالت : جئت من آل الميت رحمت إليهم ميتهم وعزيتهم .. الحديث رواه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرطهما .
فقد ظن الصحابة أن النبي لم يعرف هذه المرأة التي مرت من عنده لأنها كانت مستترة تماماً .. ولكنه عرفها من مشيتها وجسمها لأنها ابنته ..
فلو كانت فاطمة كاشفة وجهها لما وقع عندهم تردد هل يمكن أن يعرفها أم لا ..
الدليل التاسع عشر :
وقال الإمام مسلم في صحيحه :
باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها :
عن أبي هريرة قال :
كنت عند النبي فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار ..
فقال له رسول الله : أنظرت إليها ؟
قال : لا .. قال : فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا ( يعني صغراً ) ..
فبادرت أريج قائلة : لعله أراد أن ينظر إلى غير الوجه والكفين .. كما ينظر الخاطب إلى من يخطبها ..
فقالت سارة : لا .. لأنه قال له : انظر إلى عينيها .. فأين العينان ؟! في الشعر ؟!! في الرقبة ؟!! العينان في الوجه فهو يأمره أن ينظر إلى وجهها ..
الدليل العشرون :
دليل من العقل ، وهو : إنَّ المنصف يعلم أنَّه يبعد كل البعد أن يأذن الشرع للمرأة بالكشف عن وجهها أمام الرِّجال الأجانب ..
مع أنَّ الوجه هو أصل الجمال .. ومجمع الحسن .. خاصة إن كانت المرأة جميلة ..
ونظر الرجل إليه هو أعظم مثير للغرائز البشريَّة .. وداع إلى الفتنة .. والوقوع فيما لا ينبغي ..
* * * * * * * * * * * *
بانتهاء قراءة هذا الدليل رفعت سارة بصرها وقالت :
انتهت الأدلة التي ذكرها صاحب الكتاب ..
وعموماً أنا لا أدري كيف يمكن أن نقول للمرأة استري رجليك وأذنيك وذراعيك ورقبتك .. حتى لا يفتن الرجال بالنظر إليها ..
ثم نفتي لها بإخراج وجهها .. وما فيه من جمال الشفتين .. ونعومة الخدين .. وسحر العينين ..
يعني الرجل سيفتن بالنظر إلى قدمي .. ولن يفتن بالنظر إلى وجهي .. إن هذا لشيء عجاب ..
فقالت أريج : صحيح والله .. هل تصدقين يا سارة – وهذه مها تشهد – أني مع لبسي للعباءة الساترة أكشف وجهي – مع الأسف - ولا أضع أي نوع من الماكياج .. ومع ذلك أقول لك بكل صراحة : ما تكلمت مع رجل في سوق أو مستشفى أو سائق سيارة أجرة .. إلا ولاحظت أنه يحد النظر إلى وجهي .. وأحياناً ينزل عينيه فيركزهما على شفتي .. وتارة يتبسم .. ويحاول إطالة الحديث ..
جعلت مها تهز رأسها وتقول : صحيح .. صحيح .. الله يهديك !!
فالتفتت إليها أريج غاضبة وقالت : صحيح .. الله يهديني !! يعني مسرورة بكلامي !!والله الذي يسمعك يظن أنك أستر الناس .. قومي انظري إلى نفسك في المرآة ..
فزعت مها وقالت : ما أقصد والله .. أريج ..
شعرت سارة أن الأختين ستتشابكان الأيدي .. فهدأت منهما وقالت : ما رأيكما أن نقرأ كلام الفقهاء الأربعة .. أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ..
حتى لا نصدق من يقول : الأئمة الأربعة يفتون بجواز كشف الوجه ..
قالت أريج : رائع ..
فتحت سارة ص31 وقرأت :
إجماع الأئمة الأربعة على وجوب تغطية الوجه ..
أولاً: قول أئمتنا من الحنفية رحمهم الله :
يرى فقهاء الحنفية –رحمهم الله- أنَّ المرأة لا يجوز لها كشف وجهها أمام الرجال الأجانب ، لأنَّ الكشف مظنة الفتنة ، لذلك ذكروا أنَّ المسلمين متفقون على منع النِّساء من الخروج سافرات عن وجوههنَّ ، وفيما يلي بعض نصوصهم في ذلك :
قال أبو بكر الجصاص الحنفي : المرأة الشابَّة مأمورة بستر وجهها من الأجنبي ، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج ، لئلا يطمع أهل الرِّيب فيها (أحكام القرآن 3/458 ) ..
وقال شمس الأئمة السرخسي الحنفي : حرمة النَّظر لخوف الفتنة ، وخوف الفتنة في النَّظر إلى وجهها ،وعامة محاسنها في وجهها أكثر منه إلى سائر الأعضاء (المبسوط 10/152)
وقال علاء الدين الحنفيُّ : وتُمنع المرأة الشابَّة من كشف الوجه بين الرجال ،
قال ابن عابدين : المعنى : تُمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة ،لأنَّه مع الكشف قد يقع النَّظر إليها بشهوة. (حاشية ابن عابدين 2/488).
ونقل عن علماء الحنفيّة وجوب ستر المرأة وجهها ، حتى وهي مُحْرِمَة ، إذا كانت بحضرة رجـال أجانب (حاشية ابن عابدين 2/528) .
وقال الطحاويُّ الحنفي : تمنع المرأة الشابَّة من كشف الوجه بين رجال (رد المحتار 1/272) .
ولمطالعة المزيد من أقول الفقهاء الحنفية يُنظر حاشية ابن عابدين (1/406-408)، والبحر الرائق لابن نجيم (1/284 و2/381)، وفيض الباري للكشميري (4/24و308) .
وقال سماحة مفتي باكستان الشيخ محمَّد شفيع الحنفيُّ : وبالجملة فقد اتفقت مذاهب الفقهاء ، وجمهور الأمَّة على أنَّه لا يجوز للنِّساء الشوابّ كشف الوجوه والأكفّ بين الأجانب ، ويُستثنى منه العجائز ؛ لقوله تعالى :" وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ " (المرأة المسلمة ص 202).
توقفت سارة قليلاً عن القراءة وقالت :
قبل أن أكمل كلام بقية أئمة المذاهب الأربعة .. شدني قول الحنفية إن ترك الحجاب وكشف الوجه يطمع أهل الريب والفساد في المرأة ..
أذكر أن امرأة سافر زوجها إلى بلد آخر للعمل .. وتركها مع أولادها في شقة وأوصى أخاه الكبير بأن يمر زوجته وأولاده ويتفقد أحوالهم ..
تقول هذه المرأة : كان هذا الأخ الكبير يأتي كل يوم تقريباً .. وكنت أشعر أنه من أهل البيت .. فلم أكن أحتجب أمامه .. كنت أكشف وجهي .. وأحياناً طرف شعري ..
كان لطيفا في أول أيامه .. لكن لما أكثر التردد علينا وليس عندي محرم .. ولم أتحجب .. بدأت تظهر منه تصرفات غريبة .. من تلطف بالكلام وكثرة مزاح ..
حتى عاد زوجي من سفره ليقضي إجازته عندنا .. وخشيت أن أخبره فتقع مشاكل ..
سافر زوجي مرة أخرى .. ورجع أخوه إلى حالته الأولى من الحركات الغريبة .. والكلام العاطفي .. وبدأ يعاكسني صراحة .. ويحضر كل وقت بسبب وبغير سبب ..
تعبت من تصرفاته ..
فكرت في الكتابة لزوجي .. أو الاتصال به لإخباره .. فخشيت أن أضايقه وهو يبحث عن المعيشة ..