ضمـــان الاستحقــــاق
يرجع المشترى على البائع بضمان الاستحقاق في إحدى الحالات التالية:
1-إذا أخطر المشترى البائع بدعوى الاستحقاق، فتدخل البائع في الدعوى و لم يفلح في دفع دعوى المتعرض.
2-إذا أخطر المشترى البائع بدعوى الاستحقاق فلم يتدخل البائع في الدعوى و حكم للمتعرض، ولم يستطيع البائع إثبات تدليس المشترى أو خطئه الجسيم.
3-إذا أخطر المشترى البائع و لم يتدخل البائع و أقر المشترى بحق المتعرض أو تصالح معه و لم يستطع البائع أن يثبت أن المتعرض لم يكن على حق في دعواه.
4-إذا لم يخطر المشترى البائع بدعوى الاستحقاق و حكم للمتعرض و لم يثبت البائع أن تدخله في الدعوى كان يؤدي إلى رفضها.
5-إذا سلم المشترى للمتعرض بحقه دون دعوى و لم يثبت البائع أن المتعرض لم يكن على حق في دعواه.
و إذا وجب للمشترى على البائع ضمان الاستحقاق في حالة من الحالات المذكورة أعلاه فإن الأمر لا يخلو من فروض ثلاثة :
أ ـ إما أن يكون الاستحقاق كليا فيجب على البائع أن يدفع للمشترى تعويضا كاملا.
ب ـ و إما أن يكون الاستحقاق جزئيا فيجب على البائع أن يدفع للمشترى تعويضا بقدر الضرر الذي أصابه.
ج ـ و إما أن يكون المشترى قد دفع للمتعرض شيئا في مقابل حقه صلحا أو إقرار بهذا الحق، فيجب على البائع لكي يتخلص من نتائج الضمان أن يرد للمشترى ما أداه للمتعرض.
أولا : مفهوم الاستحقاق
فالاستحقاق هو نزع ملكية المبيع كله أو بعضه من تحت يد المشترى بحكم قضائي، و في حالة الاستحقاق الكلي نصت المادة 375 ق.م جزائري المقابلة لنص المادة 443 مدني مصري، ومن خلال هذا النص يستخلص أن المبيع استحق كليا أي أن المبيع كان مملوكا لغير البائع فانتزعه المالك الحقيقي من يد المشترى فرجع هذا الأخير على البائع بضمان الاستحقاق الكلي.
الظاهر أيضا أن المشترى يملك ـ غير دعوى ضمان الاستحقاق ـ دعويين أخرويتين، دعوى الإبطال باعتبار أن البيع صادر من غير مالك، فهو بيع ملك الغير، ودعوى الفسخ على أساس أن المشترى يجيز البيع ثم يطلب الفسخ لعدم تنفيذ البائع التزامه بنقل الملكية.
إلا أن هذا التعويض في دعوى الضمان يختلف عن التعويض في كل من دعوى الإبطال و الفسخ، و أن التعويض في ضمان الاستحقاق الكلي يتكون من عناصر نص عليها المشرع في المادة 375 ق.م.ج، فمثلا : إذا كان المبيع عبارة عن دار عندما تسلمها المشترى أجرى فيها ترميمات ضرورية، ثم أقام طابقا جديدا فوق طوابق الدار و أنشأ مصعدا ودهن حيطان الدار لزخرفتها، و قبض ريع الدار من وقت أن تسلمها، و بعد ذلك رفع شخص على المشتري دعوى استحقـاق، فأدخل المشترى البائع ضامنا في الدعوى و حكم باستحقاق المبيع " الدار " و بتعويض للمشترى على البائع فهذا التعويض الذي يأخذه المشترى من البائع بسبب الاستحقاق الكلي يتكون من عنصرين جوهريين هما قيمة المبيع وقيمة التعويضات الأخرى.
لقد نص التقنين المدني الجزائري و نظيره المصري على التزام البائع بقيمة المبيع وقت الاستحقاق تطبيقا لقواعد التنفيذ بمقابل و مع أنه لا يجوز للمشترى المطالبة بضمان الاستحقاق إلا من وقت صدور الحكم النهائي بالاستحقاق لأن حكم الاستحقاق يستند أثره إلى وقت رفع الدعوى، غير أنه يلاحظ أن المشترى ليس مقيدا بقواعد التنفيذ المقابل التي طبقتها المادة 375 ق.م.ج المقابلة للمادة 443 مدني مصري و إنما له أن يعدل عنها إلى طلب الفسخ، فيجوز حينئذ أن يطالب بالثمن الذي دفعه أو أن يكتفي بقيمة الشيء وقت الاستحقاق.
قيمة الثمار التي ألزم المشترى بردها إلى المالك الذي نزع يد المشتـرى عن المبيع : أي أن المشترى يرد الثمار لمن استحق المبيع أي لمالك الحقيقي و هذا إذا كان سيء النية (أي المشترى) قبل رفع دعوى الاستحقاق أما إذا كان حسن النية فلا يردها، فلا محل إذن لرجوعه على البائع.
المصروفات التي قد يصرفها المشترى على المبيع : إما أن تكون مصروفات ضرورية أو مصروفات نافعة أو كمالية إن المشترى يسترد من المالك الذي حكم له بالاستحقاق المصروفات الضرورية التي أنفقها لحفظ المبيع، أما المصروفات النافعة فنفرق فيها بين أمرين :
*إذا كان المشترى حسن النية، أي لم يعلم بسبب الاستحقاق أثناء قيامه بهذه النفقات، فإن له الحق أن يسترد من المالك هذه المصروفات بقدر ما أعاد على المبيع من زيادة في القيمة، أما إذا كان المشترى سيء النية، أي كان يعلم سبب الاستحقاق وقت الاتفاق، كان حكمه كحكم الباني سيء النية أن يخضع لخيار المالك، إذا يجوز لهذا الأخير أن يطلب إزالة المنشآت التي قام بها المشترى مع التعويض إذا كان له وجه، أو يطلب استبقاءها مقابل دفع قيمتها مستحقة الإزالة.
أما إذا أنفق المشترى على المبيع مصروفات كمالية، فليس له أن يطالب بها المالك، كما ليس له أن يطالب بها البائع إذا كان هذا الأخير حسن النية.
مصروفات الدعاوى (دعوى الضمان و دعوى الاستحقاق): المفروض هنا أن المشترى خسر دعوى الاستحقاق المرفوعة عليه من الغير وألزم تبعا لذلك بمصروفاتها و أنه أدى هذه المصروفات للمستحق، فيكون له أن يطالب بها البائع ويستثنى من ذلك ما كان المشترى يستطيع أن يتقيه لو أخطر البائع بدعوى الاستحقاق في الوقت الملائم، ويقع على عاتق البائع في هذه الحالة إثبات أنه كان ممكنا اختصار الإجراءات لو تم إخطاره في الوقت الملائم.
تعويض المشترى عما لحقه من خسارة و ما فاته من كسب بسبب استحقاق المبيع : بعد أن ذكر المشرع عناصر التعويض السابقة في البنود الأربعة الأولى من المادة 375 أضاف في البند الخامس " بوجه عام تعويض المشترى عما لحقه من خسارة أو فاته من كسب بسبب استحقاق المبيع " و القصد من هذه العبارة هو تقرير حق المشترى في طلب التعويض عن كل خسارة لحقت به أو كسب فاته، وليس في ذلك إلا تذكير بالقواعد العامة و تطبيقا لها.
لهذا يجوز للمشترى أن يرجع على البائع زيادة على العناصر السابقة، بمصاريف عقد البيع، مثل مصاريف تحرير العقد عند الموثق، السمسرة و رسوم التسجيل، و ما فاته من كسب مثلا بسبب فوات صفقـة رابحة، كأن ترك المشترى مشروع استثمار تجاري ليشترى العين المبيعة ثم تستحق العين بعد ذلك، فإن الربح الذي كان يدره المشروع يعتبر كسبا فات علـى المشترى و من ثم يتعين أن يعوضه البائع عنه و هذا ما نص عليه المشروع الفرنسي في المادة 1149.
بمعنى إذا استحق المبيع في يد المشترى، يعتبر إخلالا بالتزام الضمان الذي يقع على عاتق البائع، و لذا تطبق القواعد العامة التي تخول للمشترى أن يطلب إما التنفيذ بمقابل أو الفسخ أو إبطال البيع، و تكون مصلحة المشترى في طلب الفسخ إذا كانت قيمة المبيع قد نقصت وقت الاستحقاق عما كانت عليه وقت البيع، و بالفسخ يخوله استرداد كل الثمن الذي دفعه، أما التنفيذ بمقابل لم يكن يخوله إلا قيمة المبيع وقت الاستحقاق و فضلا عن ذلك للمشترى أن يستغنى عن طلب التنفيذ بمقابل و عن طلب الفسخ و يطلب إبطال البيع لورود البيع على مال غير مملوك للبائع و التعويض إذا كان المشترى يجهل أن البائع كان لا يملك المبيع.
أحوال الاستحقاق الجزئي نصت عليها المادة 376 ق.م.ج. و المقابلة للمادة 444 ق.م مصري، كما تعرض المشرع اللبناني أيضا لهذه الحالة في المادتين 437، 738 موجبات لبناني، و يكون الاستحقاق جزئيا إذا انتزع من المشترى جزء مفرز أو شائع من المبيع أو حكم للغير بحق متفرع عن حق ملكية المبيع كحق ارتفاق، أو بمال من ملحقات المبيع، و إذا ادعى به الغير و حكم له القضاء بذلك، اعتبر استحقاقا جزئيا، و لكن المشرع يفرق في الاستحقاق الجزئي بين حالتين:
الحالة الأولى: و هي الحالة التي يكون فيها الاستحقاق الجزئي بالغا حدا من الجسامة بحيث لو علمه المشترى قبل التعاقد لما أبرم العقد، أي أن تكون خسارة المشترى بسبب الاستحقاق الجزئي قد بلغت من الجسامة قدرا لو علمه المشترى لما أتم العقد، فللمشترى أن يطالب البائع بالمبالغ المبينة بالمادة، 375 مقابل رد المبيع مع الانتفاع الذي حصل عليه منه.
الحالة الثاني: و هي الحالة التي لم يبلغ فيها الاستحقاق الجزئي هذا الحد من الجسامة، أي الحالة التي لم يبلغ فيها الاستحقاق الجزئي قدرا من الجسامة، فلا يكون للمشترى أن يرد الباقي للبائع و إنما له أن يحتفظ بباقي المبيع و أن يطلب التعويض عن الجزء الذي استحق.